الراي نيوز - د. عيسى أبودية أخصائي علم المناعة
لعل أكثر ما ميّز فيروس كورونا المستجد هو ظهور المتحورات، والتي تميز العديد منها بقدرات متطورة على سابقيه من ناحية سرعة إصابة البشر أو الهروب من الحماية التي يوفرها جهاز المناعة للذين تعرضوا لإصابات سابقة أو ممن تلقوا اللقاحات المختلفة. ولعل هذه المتحورات كانت التحدي الأصعب أمام اللقاحات جميعها التي اعتمدت في تركيبتها بشكل كامل على الفيروس الأصلي المكتشف في مدينة ووهان الصينية في أواخر عام 2019

وعلى الرغم من نشر العديد من الدراسات العلمية التي أشارت إلى أن لقاح الجيل الأول ما زال قادراً إلى حد جيد على حماية متلقيه من المرض الشديد أو الوفاة، فإن قدرته على حماية الفرد من الإصابة بالفيروس انخفضت كثيراً مع بروز المتحورات كالبريطاني «ألفا» والجنوب إفريقي «بيتا» والهندي «دلتا» وأخيراً المتحور «أوميكرون». هذا الأمر دفع بالمجتمع الطبي إلى الدعوة إلى أخذ جرعة ثالثة من اللقاح الأصلي لتحقيق حماية أفضل، وبعدد من الشركات المصنِّعة أبرزها «موديرنا» و«فايزر - بيونتيك» بالعمل على إنتاج جيل جديد ثانٍ من اللقاحات غير مبني على الفيروس الأصلي فحسب بل أيضاً على المتحور الفرعي أوميكرون بنوعيه BA.4/5 الذين كانا سائدين آنذاك وذلك لإضفاء حماية إضافية من الإصابة ومن المرض الشديد والوفاة. وقد سُمّي هذا الجيل الثاني من اللقاحات بثنائية التكافؤ (Bivalent vaccines) لاحتوائه على سلالتين من كورونا بدلاً من واحدة

تم الإعلان عن توفر هذا الجيل الثاني من اللقاحات والموافقة عليه من قبل مؤسسة الغذاء والدواء الأمريكية في أوائل شهر أيلول من عام 2022، وكان مخصصاً لحظة إصداره لمن هم فوق سن الثانية عشر عاماً والذين أتموا اللقاحات الأساسية الثلاثة الأولى، ومع مرور الوقت واستكمال الدراسات بات مُتاحاً للفئات العمرية الأصغر ابتداء من عمر ستة أشهر فما فوق لمن استكمل جرعاته الثلاثة ومرَّ على أخذ آخر لقاح له مدة شهرين على الأقل

لقد عمل الأردن جاهداً خلال الأشهر الماضية على مخاطبة الجهات المعنية لتأمين لقاحات الجيل الثاني لمواطنيه، وقد تكللت هذه الجهود بالنجاح الأسبوع الماضي حيث أعلن الأمين العام لوزارة الصحة للرعاية الصحية الأولية والأوبئة وصول 100 ألف جرعة منه كتبرع من الحكومة الفرنسية للمساهمة في الحملة الوطنية للتطعيم ضد كورونا. اللقاح من شركة فايزر-بيونتك يأتي بتركيز مشابه لسابقه، ويتم إعطاؤه للمريض في العضل كما كان عليه الحال لمن سبقه. اللقاح الجديد متوفر دون موعد مُسبق لمن تلقى جرعتين من أي لقاح شريطة مرور ستة أشهر على الأقل من تلقي الجرعة الأخيرة، وذلك في العديد من مراكز التطعيم التابعة للوزارة والتي يتم الإعلان عنها وتحديثها بشكل مستمر على صفحات الوزارة على مواقع التواصل الاجتماعي

جهود مباركة لجهات صحية وسياسية وأمنية متعددة في الأردن لجعل هذا الجيل من اللقاحات الأكثر قدرة على الحماية من فيروس كورونا متوفراً لدينا -وإن كان بكميات محدودة-. الكمية المتوفرة حالياً حسب التصريحات الرسمية تكفي 1% من عدد السكان الإجمالي فقط، والأَوْلى هنا إذاً التركيز على فئات محددة من المجتمع أكثر استحقاقاً إلى حين توفر المزيد منه. هذه الفئات تضم الأشخاص المُصابين بالأمراض المزمنة في الجهاز التنفسي ومن يعانون من نقص وراثي أو مُكتَسب في عمل جهاز المناعة وكبار السن الذين تجاوزت أعمارهم الخمسة والستين عاماً

أخيراً، يجب التذكير بأنه وقبل الإبحار بموضوع الجرعة المدعّمة من الجيل الجديد، علينا أن نتذكر أن أعداداً لا يُستهان بها من الأردنيين لم يتمموا أصلاً إجراءات التطعيم الأساسية (إما تلقوا جرعة واحدة فقط أو لم يأخذوا اللقاح من الأساس)، وهؤلاء شريحة ينبغي إعارتها اهتماماً كبيراً لاستكمال برنامج التطعيم الوطني بشكل متكامل وبناء قاعدة متينة يمكن أن نستند إليها في مخططاتنا ومشاريعنا المستقبلية لمجابهة وكبح جماح الوباء الذي لا يكل ولا يمل في ابتداع طرق جديدة لمقارعة أجسادنا ومُخرجاتنا العلمية في صراعه المحموم معنا من أجل البقاء